السبت، 16 أكتوبر 2010

آيات اليوم 98

 

 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

( سلسلة تـفـسـيـر وتـحـفـيـظ الـقـرآن الـكـريـم )

[ آيـــات الــيــوم(98) ]

السبت(08/ذو القعدة/1431هـ) – (16/10/2010م)

سورة آل عمران من الآية: (152) إلى (155)
 اللَّهُمَّ اْرْحَمْنيِ بالقُرْءَانِ وَاْجْعَلهُ لي إِمَاماً وَ نُوراً وَهُدى وَرَحْمَه



وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) 


 
معنى الآيات
 


ما زال السياق في أحداث أحد فقد تقدم فى السياق قريبا نهي الله تعالى المؤمنين عن طاعة الكافرين فى كل ما يقترحون، ويشيرون به عليهم. ووعد بأنه سليقى الرعب فى قلوب الكافرين وقد فعل فله الحمد حيث عزم أبو سفيان على أن يرجع إلى المدينة ليقتل من بها ويستأصل شأفتهم فأنزل الله تعالى في قلبه وقلوب اتباعه الرعب فعدلوا عن غزو المدينة مرة ثانية وذهبوا إلى مكة. ورجع الرسول والمؤمنون من حرماء الأسد ولم يلقوا أبا سفيان وجيشه. وفى هاتين الآيتين يخبرهم تعالى بمنته عليهم حيث انجزهم من وعدهم بالنصر فقال تعالى:{ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه} ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بوأ الرماة مكانهم. وكانوا ثلاثين رامياً وعل عليهم عبد الله بن جبير أمرهم بأن لا يبرحوا أماكنهم كيفما كانت الحال وقال لهم: " إنا لا نزال غالبين ما بقيتم فى أماكنكم ترمون العدو فتحمون ظهورنا بذلك " وفعلاً دارت المعركة وانجز الله تعالى لهم وعده ففر المشركون أمامهم تاركين كل شىء هاربين بأنفسهم والمؤمنون يحسونهم حسَّاً أي يقتلونهم قتلا بإذن الله وتأييده لهم ولما رأى الرماة هزيمة المشركين والمؤمنون يجمعون الغنائم قالوا: ما قيمة بقائننا هنا والناس يغنمون فهَيَّا بنا ننزل الى ساحة المعركة لنغنم، فذكرهم عبد الله بن جبير قائدهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأولوه ونزلوا الى ساحة المعركة يطلبون الغنائم، وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد فلما رأى الرماة أَخْلَوْا مراكزهم الا قليلا منهم كرَّ بخيله عليهم فاحتل أماكنهم وقتل من بقى فيها، ورمى المسلمين من ظهورهم فتضعضوا لذلك فعاد المشركون إليهم ووقعوا بين الرماة الناقمين والمقاتلين الهائجين فوقعت الكارثة فقتل سبعون من المؤمنين ومن بينهم حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلموأصيب صلى الله عليه وسلم فى وجهه وكسرت رباعيته وصاح الشيطان قائلا أن محمداً قد مات وفر المؤمنون من ميدان المعركة إلا قليلاً منهم وفى هذا يقول تعالى: {حتى اذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر} ، يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبد الله بن جبير حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم وذكرهم بأمر رسول الله فنازعوه فى فهمه وخالفوا الأمر ونزلوا، وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا واعداءهم قد انهزموا، وهو معنى قوله تعالى: {وعصيتم بعدما أراكم ما تحبون} أي من النصر {منكم من يريد الدنيا} وهم الذين نزلوا الى الميدان يجمعون الغنائم، {ومنكم من يريد الآخرة} وهم عبد الله بن جبير والذين صبروا معه فى مراكزهم حتى استشهدوا فيها وقوله تعالى {ثم صرفكم عنهم ليبتليكم} وذلك اخبار عن ترك القتال لما أصابهم من الضعف حينما رأوا أنفسهم محصورين بين رماة المشركين ومقاتليهم فصعدوا فى الوادي هاربين بأنفسهم، وحصل هذا بعلم الله تعالى وتدبيرة، والحكمة فيه أشار إليها تعالى بقوله: {ليبتليكم} أي يختبركم فيرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، والصابر من الحزع، وقوله تعالى {ولقد عفا عنكم} يريد انه لو شاء يؤاخذهم بمعصيتهم أمر رسولهم فسلط عليهم المشركين فقتولهم أجمعين ولم يُبقوا منهم أحداً إذ تمكنوا منهم تماماً، هذا معنى {ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين} هذا ما تضمنته الآية الأولى (152) أما الآية الثانية (153) فهى تصور الحال التى كان عليها المؤمنون بعد حصول الانكسار والهزيمة فيقول تعالى {إذ تصعدون} أى عفا عنكم فى الوقت الذى فررتم مصعدين فى الأودية هاربين من المعركة والرسول يدعوكم من ورائكم نالىّ عباد الله ارجعوا، وأنتم فارون لا تلوون على أحد، أي لا تلتفتوا إليه.وقوله تعالى: {فأثابكم غماً بغم} يريد مجازاتكم على معصيتكم غماّ والغم ألم النفس لضيق الصدر وصعوبة الحال. وقوله بغم أى غم على غم، وسبب الغم الأولى فوات النصر والغنيمة والثانى القتل والجراحات وخاصة جراحات نبيّهم، وإذاعة قتله صلى الله عليه وسلم.



هداية الآيات    
 

1. مخالفة القيادة الرشيدة والتنازع في حال الحرب يسبب الهزيمة المنكرة.
2. معصية الله ورسوله والاختلافات بين أفراد الأمة تعقب آثاراً سيئة أخفها عقوبة الدنيا بالهزائم وذهاب الدولة السلطان.
3. ما من مصيبة تصيب العبد إلاّ وعند الله ما هو أعظم منها فلذا يجب حمد الله تعالى على أنها لم تكن أعظم.
4. ظاهر هزيمة أحد النقمة وباطنها النعمة، وبيان ذلك أَنْ عَلِمَ المؤمنون أن النصر والهزيمة يتمان حسب سنن فما أصبحوا بعد هذه الحادثة المؤلة يغفلون تلك السنن أو يهملونها.
5. بيان حقيقة كبرى وهى أن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في أحد ترتب عليها آلام وجراحات وقتل وهزائم وفوات خير كبير وثير فكيف بالذين يعصون رسول الله طوال حياتهم وفى كل أوامره ونواهيه وهم يضحكون ولا يبكون، وآمنون غير خائفين.




ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)




معنى الآيات
 


ما زال السياق فى الحديث عن غزوة أحد فأخبر تعالى في الآية (153) عن أمور عظام الأولى أنه تعالى بعد الغم الذى أصاب به المؤمنين أنزل على أهل اليقين خاصة أمناً كاملاً فذهب الخوف عنهم حتى أن أحدهم لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله قال تعالى:{ثم أنزل عليكم من بعد الغم أَمَنَةً نعاساً يغشى طائفة منك} والثانى أن أهل الشك والنفاق حرمهم الله تعالى من تلك الأمنة فما زال الخوف يقطع قلوبهم والغم يُسَيْطر على نفسوهم وهم لا يفكرون إلا فى أنفسهم كيف ينجون من الموت وهم المعنيون بقوله تعالى{وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} والثالث أن الله تعالى قد كشف عن سرائرهم فقال يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، والمراد من ظنهم بالله غير الحق ظن المشركين أنهم يعتقدون أن الإِسلام باطل وأن محمداً ليس رسولاً، وأن المؤمنين سينهزمون ويموتون وينتهى الإسلام ومن يدعوا إليه. والرابع أن الله تعالى قد كشف سرهم فقال عنهم:{يقولون هل لنا من الأمر من شيء} هذا القول قالوه سراً فيما بينهم، ومعناه ليس لنا من الأمر من شيء ولو كان لنا ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا فأطلع الله تعالى سرهم وقال لرسوله: رد عليهم بقولك: إن الأمر كله لله. ثم كشف تعالى سرهم مرة أخرى فقال: يخفو فى أنفسهم ما لا يبدون لك أي يخفون فى أنفسهم من الكفر الغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك. ولما تحدث المنافقون فى سرهم وقالوا لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا ها هنا: يريدون لو كان الأمر بأيدهم ما خرجوا لقتال المشركين لأنهم إخوانهم فى الشرك والكفر، ولا قتلوا مع من قتل فى أحد فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله: قل لو كنتم في بيوتكم بالمدينة لبز أي ظهر الذين كتب عليهم القتل الى مضاجهم وصرعوا فيها واتوا، لأن الله قدره ولا حذر مع القدر. ولا بد أن يتم خروجكم لأحد بتدبير الله تعالى ليبتلي الله أي يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيباً لا يعلمه إلا هو إلى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته الرسول والمؤمنون، وهذا لعلم الله تعالى بذات الصور. هذا معنى قوله تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم، وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور}. أما الآية (154) فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن حقيقة واحدة ينبغي أن تعلم وهي أن الذين فرّوا من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب الشيطان هو الذي أوقعهم في هذه الزلة وهي توليّهم عن القتال بسبب بعض الذنوب كانت لهم، ولذا عفا الله عنهم ولم يؤاخذهم بهذه الزلة، وذلك لأن الله غفور حليم فهكذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر له ولو لم يكن حليما لكان يؤاخذ لأول الذنب والزلة فلا يمكن أحداً من التوبة والنجاة. هذا معنى قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم} أي عن القتال، يوم التقى الجمعان أي جمع المؤمنين وجمع الكافرين بأحد. إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، ولقد عفا الله عنهم فلم يؤاخذهم إن الله غفور حليم.
 
هداية الآيات    

1- إكرام الله تعالى لأوليائه بالأمان الذى أنزله في قلوبهم.
2- إهانة الله تعالى لأعدائه بحرمانهم ما أكرم به اولياءه وهم فى مكان واحد.
3- تقرير مبدأ القضاء والقدر، وأن من كتب موته فى مكان لا بد وأن يموت فيه.
4- أفعال الله تعالى لا تخلو ابداً من حكم عالية فيجب التسليم لله تعالى والرضا بأفعاله في خلقه.
5- الذنب يولد الذنب، والسيئة تتولد عنها سيئة أخرى فلذا وجبت التوبة من الذنب فوراً.


وصلة الوورد
  

إلى اللقاء في الآيات القادمة إن شاء الله