الأحد، 31 أكتوبر 2010

الحج الشكلي والحج المقاصدي 1

 

الحج الشكلي والحج المقاصدي 1
--
أ.د. صلاح الدين سلــــطــان

المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مملكة البحرين
عضو المجالس الفقهية فى أوربا وأمريكا والهند 

الحج الشكلي قد يستوفي كل الأركان الشرعية، والأحكام الفقهية والسنن النبوية، لكنه يكون مثل صلاة بلا خشوع، وصيام بلا تقوى، وجسد بلا روح.
أما الحج المقاصدي فلا  يترك ركنا ولا واجبا ولا سنة من سنن الحج لكنه يحقق مقاصد رب العالمين من الجهد الجهيد بأداء هذا الركن العظيم، وهو تعلق قلوب حجاج بيته بذكر الله تعالى وترك لكل شواغل النفس عن الله تعالى ولذا نجد أن الله تعالى قد ذكر اسمه نصًا وصفة وإشارة في سورة الحج وحدها قرابة مائتي مرة، وكل آيات الحج في بقية السور تصب في هذا المقصد الأسنى والهدف الأعلى وهو ذكر الله عز وجل ومن ذلك قوله تعالى: "فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ  وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ" -البقرة: 198-، وقوله تعالى: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ" -البقرة:203-، والذكر المقاصدي هنا ليس ذكرا على اللسان وإنما أن يتحول أمر الله ونهيه في كل شيء، وحمده وشكره مع كل نعمة، والدعاء له والثناء عليه في السراء والضراء، والتضحية لأجل دينه في العسر واليسر وهي الشاغل الأول لكل حاج.
الحج الشكلي تُؤدَى فيه الأركان والواجبات والسنن في قوالب جامدة.
أما الحج المقاصدي ففيه عين تدمع، وقلب يخشع، ودعاء بتضرع، وطلب علم ينفع، وعمل صالح يرفع، وتقوى لله تهز القلب من الأعماق، تدفع إلى المكارم إذا اشتدت المغارم، وتمنع عن الفواحش إذا انتشرت المحارم؛ لقوله تعالى في أول آية من سورة الحج: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" -الحج:1-، وختم الله مناسك الحج في السورة نفسها في قوله تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ" -الحج:37-، ويرجع الحاج وقد تشبع بالتقوى وتشربها قلبه، فيكسو وجهَه نور الهداية ويعود خائفا من الجليل عازما على العمل بالتنزيل، قانعًا من الدنيا بالقليل، مستعدًا بالكثير من البر ليوم الرحيل، فتعاف نفسه أن يخوض مع الخائضين، أو يسامر بالليل في الشاشات مع الفاجرين، أو ينام في النهار عن البذل والعمل والإنتاج مع الكادحين.
 إنني أدعو الحجاج العائدين وإخوانهم الراغبين أن تتشبع قلوبهم بذكر الله قولا في تسبيحات وتكبيرات وتحميدات تخرج من أعماق القلب في خلوات تنعش الروح، ثم في جولة من الذكر العملي تنقلنا من زيارة المساجد إلى عمارتها، ومن الوِرد المتقطع إلى الوِرد الدائم مع القرآن، ومن الجرأة على الشبهات إلى تقوى تجعل اليد ترتعش وهي تستمتع بكل المباحات وسط هذه الأزمات.